يتعهد الرئيس باراك أوباما، عند وضعه خطة مرحلة جديدة لتدخل الجيش الأمريكي في العراق، بأن بلاده التي أرهقتها الحرب، لن "تنجر" إلى صراع طويل أو تتورط في "مهمة زحف". لكن تاريخ جيش الولايات المتحدة الحديث مليء بالعلامات المنذرة، بشأن صعوبة منع الحفاظ على مهمة محددة ومنعها من التوسع والتمدد.
إن مجرد فكرة، أن تتبع مهمته الأخيرة في العراق هذا النمط تبدو خطرة بالنسبة لأوباما، من حيث أنه وضع على المحك جزءًا كبيرًا من إرثه باعتباره الرئيس الذي وضع حدًا للحرب الأمريكية الطويلة هناك.
وبالفعل هناك بعض من أقرب حلفاء البيت الأبيض القلقين من أن خطة أوباما بإرسال 300 من قوات العمليات الخاصة إلى الجيش العراقي لتدريبه، ربما تكون الخطوة الأولى لجر الولايات المتحدة مرة أخرى، للتورط في القتال الطائفي العنيف في العراق.
وقالت نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي، والنائبة عن كاليفورنيا، والداعمة الأكثر إخلاصًا لأوباما، "أعتقد أنه يجب أن تكون حذرًا في إرسال قوات خاصة لأن هذا عدد يمكن أن يتصاعد بسهولة". أما أنا غالاد، المديرة التنفيذية لمجموعة "موف أون. أورغ" الليبرالية، فقالت إنه حتى وجود مهمة محدودة "شيء خطير ويعتبر تطورا مزعجا يهدد بتوسع التورط العسكري".
وبالفعل، شهدت الولايات المتحدة من قبل توسع وتصعيد عدة عمليات كانت قد بدأت صغيرة. فقد بدأ الصراع في فيتنام بقيام الرؤساء دوايت آيزنهاور وجون إف كينيدي، بإرسال عدد محدود من المستشارين العسكريين لتدريب ومساعدة القوات المحلية، لكن هذه الأعداد زادت بمرور الوقت وفتحت الباب لما تحول فيما بعد إلى عملية قتالية استغرقت سنوات طويلة.
والحروب التي بدأت في العراق وأفغانستان في العقد الماضي، كانت النية في البداية أن تكون مجرد عمليات قتالية. وقليل من الناس توقعوا وقتها أن تستمر الحرب في العراق لأكثر من 8 سنوات، وأن يستمر الصراع الأفغاني لأكثر من 12 سنة، أو أن وجود القوات الأمريكية في كل منهما سيتضاعف إلى أكثر من 100 ألف جندي.
اعترف أوباما بمخاطر امتداد المهمة عندما أفصح عن خطط مساعدة العراق في التغلب على التمرد الإسلامي الذي حقق مكاسب بسرعة مخيفة وطبقا لمسؤولي الإدارة، يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية. ومن المقرر أن يصل عدد من مستشاري القبعات الخضر في الجيش إلى العراق وأن ينضموا إلى عدد من الجنود يقدر عددهم بحوالي 275 جنديا أرسلوا إلى العراق الأسبوع الماضي لتأمين السفارة الأمريكية في بغداد وحماية المصالح الأمريكية الأخرى.
ويعتبر نشر تلك القوات تغيرًا واضحًا من جانب الرئيس الذي أشرف على الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من العراق نهاية 2011 بعد فشل واشنطن وبغداد في التوصل إلى اتفاق يتيح بقاء عدة آلاف من القوات في البلاد.
وبينما أشار أوباما أكثر من مرة إلى إنهاء الحرب باعتبارها واحدة من أهم إنجازاته، فإن قراره بعودة بعض القوات إلى العراق الآن يثير تساؤلات حول ما إذا كان يجب إضافة إشارة إلى أن هناك معلومات إضافية يجب أخذها في الاعتبار، إلى جانب عبارة إنهاء الحرب في العراق.
ويصر مسؤولو الإدارة على أن أوباما لا ينوي إلزام الولايات المتحدة بحرب طويلة أخرى في العراق أو أن يضع القوات الأمريكية هناك في أدوار قتالية. وبالإشارة إلى عدم رغبته في الانخراط مرة أخرى في الوضع، قرر أوباما أيضا أن يوقف مؤقتا شن ضربات جوية، بالرغم من أنه ترك خيار شن غارات ذات هدف محدد متاحة على الطاولة.
وكان الرئيس كثيرا ما يؤكد على أن توسيع الوجود الأمريكي العسكري في العراق لن يفيد الوضع، حيث أن جذور المشكلات في العراق تعود إلى النظام السياسي الذي أقصى الأقلية السنية في البلاد. وقال "ليست لدينا القدرة على حل هذه المشكلة ببساطة من خلال إرسال عشرات الآلاف من القوات وإهدار المزيد من الدماء والأموال في العراق بعد كل ما تم إهداره هناك بالفعل". وأضاف "بمرور الوقت، هذا شيء يجب على العراقيين حله".
لكن لا توجد الكثير من الضمانات عندما يتعلق الأمر بإرسال أمريكيين إلى العراق بوضعه غير الآمن وغير المستقر. فبالرغم من عدم إرسال قوات بشكل خاص لأغراض قتالية، إلا أنهم جمسعا مسلحون، ولديهم الحق في الدفاع عن أنفسهم إذا ما شعروا أنهم في خطر.
تقول جوليان زيليتسر، أستاذة التاريخ السياسي في جامعة برينستون "بمجرد وضعك قوات أو مستشارين في أي منطقة صراع، يصبحون في خطر"، مضيفة "هذه هي طبيعة الحرب، إنها غير متوقعة، وتمر بأوقات تغيير وتتحول إلى ما لا يمكنك التنبؤ به".
والعراق، بانقساماته الطائفية، وماضيه العنيف وسياساته غير المستقرة، يمكن أن يكون على وجه الخصوص عرضة لهذا النوع من عدم التوقع والمفاجأة. لقد بدا أن أوباما ترك لنفسه فسحة كبيرة لسحب القوات بسرعة من العراق، بعد أن امتنع عن تحديد جدول زمني لاستمرار بقاء المستشارين العسكريين في العراق، والامتناع عن توضيح رؤية كيف سيتم اعتبار المهمة منتهية هناك.
ولكن هذه المهمة ذات التعريف الفضفاض هي التي تثير مخاوف وقلق مؤيدي أوباما بشأن وجود التزام جديد محتمل مفتوح النهاية في العراق. وفي محاولة لتهدئة مخاوفهم، قال أوباما إنه كان يتخذ القرارات وفي عقله "الندوب السوداء" التي خلفتها حرب استمرت ثماني سنوات وقتل فيها أكثر من 4500 جندي أمريكي.
وقال "ما يتضح من العقد الماضي هو حاجة الولايات المتحدة إلى أن تطرح أسئلة صعبة قبل أن نقوم بأي تحرك في الخارج، وخصوصا إذا كان تحركا عسكريا".
إرسال تعليق